العمراني:السياسة الخارجية المغربية تقوم على قواعد ثابتة تمنحها الاستدامة والاستقرار - Youssef AmraniYoussef Amrani

العمراني:السياسة الخارجية المغربية تقوم على قواعد ثابتة تمنحها الاستدامة والاستقرار

يصف يوسف العمراني الوزير المنتدب في الخارجية الدبلوماسية المغربية بأنها «دار ذات تقاليد عريقة»، ويضيف في حوار معه أن السياسة الخارجية المغربية تقوم على قواعد ثابتة تمنحها الاستدامة والاستقرار والمصداقية.

وبخصوص ملف الصحراء قال إنه «لم يكن لنا أي مشكل مع كريستوفر روس كشخص، فهو رجل كيس وصاحب تجربة كبيرة»، وأضاف أن «المؤاخذات عليه ارتبطت بأسباب جدية وموضوعية مرتبطة بحدود مهمته كوسيط وبالتجاوزات على مستوى المقاربة التي سعى إلى اعتمادها، وأشار أن المغرب سيواصل التعاون مع مع الأمم المتحدة، للتوصل إلى تسوية سياسية نهائية من خلال المفاوضات، على أساس مبادرة الحكم الذاتي وفي احترام للمحددات الواضحة التي وضعها مجلس الأمن ألا وهي الواقعية وروح التوافق، وأوضح أن السنة المنصرمة سنة وضع الوساطة في إطارها الصحيح من أجل الإسراع في التوصل إلى الحل السياسي. واعتبر الوزير المنتدب أن « رئاسة المغرب لمجلس الأمن حدث تاريخي وشهادة على إشعاع بلادنا، وأنه «اعتراف بالمصداقية الدولية للمغرب».

 بعد عام تقريبا على تشكيل حكومة عبد الإله ابن كيران، ما هو  تقييمكم  لأداء السياسة الخارجية للمغرب خلال السنة الماضية؟

 سؤالكم يوحي إلي بالتدقيق في أمرين، الأول أنه لا يستحسن أن أقوم شخصيا بالتقييم الذي طلبتم. فلجلالة الملك، ولرئيس الحكومة، و للبرلمان وللرأي العام دور في هذا الصدد. الأمر الثاني، إنه من الخطأ الشائع الخلط بين السياسة الخارجية والدبلوماسية على اعتبار عدم دلالتهما في الواقع على نفس المعنى فإذا كانت الدبلوماسية أداة لتنفيذ السياسة الخارجية فإن هذه الأخيرة تعتبر جزءا مما يسميه أساتذة القانون الدستوري بالتوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة.

  بصيغة آخرى، ما هي حصيلة سنة 2012 بصفتكم وزيرا منتدبا في الشؤون الخارجية والتعاون؟

 أود التأكيد أولا، على أن العمل الخارجي هو المجال الذي يعكس بامتياز استمرارية الدولة فالسياسة الخارجية المغربية تقوم على قواعد ثابتة تمنحها الاستدامة والاستقرار والمصداقية. ونظرا لكون السياسة الدولية بمفهومها العام تتسم بنوع من الرتابة فالمساعي و المجهودات لا تؤتي بالضرورة أكلها في الحين بل على المدى المتوسط أو البعيد.

كما يبدو لي أنه من غير المجدي الحديث عن القطيعة التي قد يبحث عنها البعض من خلال تأثير التناوب السياسي على العمل الدبلوماسي فهناك استمرارية مرتبطة بالرؤية الواضحة والتصور العملي لصاحب الجلالة دون أن أغفل القيم والمبادئ و الالتزامات التي تميز المغرب في علاقاته الدولية. في كلمة واحدة، ليس من الصدفة في شيء أن تشكل الدبلوماسية المغربية دارا ذات تقاليد عريقة أعتز بالانتماء إليها وخدمتها لمدة ستصل بحلول عام 2013 الى 37 سنة.

وبالرجوع للحصيلة السنوية فهي ايجابية وسأعمل على توضيح معالمها في سياق الإجابة على باقي تساؤلاتكم:

 لنبدأ بملف الصحراء، تميزت سنة 2012 بالجدل حول سحب الثقة من المبعوث الأممي كريستوفر روس، لماذا هذا الموقف ؟

 لم يكن لنا أي مشكل مع كريستوفر روس كشخص، فهو رجل كيس وصاحب تجربة كبيرة. مؤاخذاتنا ارتبطت بأسباب جدية وموضوعية مرتبطة بحدود مهمته كوسيط وبالتجاوزات التي لمسناها على مستوى المقاربة التي سعى إلى اعتمادها. كان من الواجب علينا التنبيه وبكل سرعة لهذا الانزلاق وكما يعلم الجميع لم يتأخر رد فعل الأمم المتحدة، حيث جاء بتاريخ 25 غشت 2012.

 تقصدون المكالمة الهاتفية بين جلالة الملك والأمين العام ؟

 بالضبط، إذا كان لي أن أحتفظ بتاريخ لافت أو حدث معين ميز القضية الوطنية سنة 2012، سأقف عند هذا التاريخ. المكالمة الهاتفية بين جلالة الملك والسيد بان كي مون أطرت الوساطة الأممية وأعطت نفسا جديدا للمسلسل السياسي. لقد سمحت بتوضيح إطار العمل، خاصة فيما يخص احترام مهمة المينورسو، والتمسك بالمحددات والضوابط التي وضعها مجلس الأمن، وطبيعة وحدود مهمة المبعوث الشخصي، دون أن ننسى الدور المركزي للجزائر في تسهيل التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع الإقليمي.

لقد سجلنا بكل إيجابية أن هذه الانطلاقة تعززت بمناسبة العرض الذي ألقاه كريستوفر روس أمام مجلس الأمن بتاريخ 28 نونببر الأخير، حيث لمسنا تفهما أكبر و تقارب وجهة نظره مع الموقف الثابت للمغرب، الذي عمل منذ عدة سنوات،على تنبيه المجتمع الدولي حول المخاطر والتهديدات الأمنية في منطقة الساحل والتي لن يزيدها غياب حل لمشكلة الصحراء إلا تعقيدا.

على اية حال، يوجد المغرب في وضع مريح، إيماننا راسخ بعدالة قضيتنا الوطنية وسنواصل تعاوننا الكامل بحسن نية مع الأمم المتحدة، للتوصل إلى تسوية سياسية نهائية من خلال المفاوضات، على أساس مبادرة الحكم الذاتي وفي احترام للمحددات الواضحة التي وضعها مجلس الأمن ألا وهي الواقعية وروح التوافق.

 اعتمادا على ما قلتم السيد الوزير، باستثناء حالة روس، هل لم تأت سنة 2012 سنة بأي جديد لملف الصحراء ؟

 أبدا لم أقل هذا الكلام، شهد الملف سنة 2012 العديد من التطورات : استحضر على التوالي اجتماع مجلس الأمن في نونبر الماضي والعرض الذي قدمه كريستوفر روس، هناك كذلك الزيارة التي قام بها للمغرب شهر أكتوبر السيد هيرفي لادسوس، نائب الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بعمليات حفظ السلام وإشادته بقوات حفظ السلام المغربية، استحضر تعيين السيد فولفغانغ فايسبرود في يونيو، ممثلا خاصا للأمين العام بدلا للمصري هاني عبد العزيز، أشير أيضا لتقرير الأمين العام والقرار 2044 لمجلس الأمن في أبريل الماضي.

صحيح لم تكن 2012 سنة تحقيق الحل السياسي الذي ينشده المجتمع الدولي، لكنها كانت سنة الصراحة البناءة وسنة وضع الوساطة في إطارها الصحيح من أجل الإسراع في التوصل إلى الحل السياسي.

 بعيدا عن القضية الوطنية، ماهي الملفات التي تعبأت من أجلها الآلة الدبلوماسية خلال العام الماضي ؟

 في ارتباط بمحيطها الدولي، كانت الدبلوماسية المغربية جد نشطة طيلة السنة المنصرمة خاصة فيما يتعلق بالوضع في مالي، أو الأزمة السورية كما عملنا على المستوى الثنائي في الاستمرار في تبني سياسة تنويع الشراكات من خلال إقامة حوار استراتيجي مع الولايات المتحدة، إنشاء شراكة إستراتيجية مع إسبانيا، توطيد العلاقات مع فرنسا وتفعيل الوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي.

 نبدأ بملف الأزمة السورية، مؤتمر مراكش الذي انعقد في 12/12/2012 هل مكن من تحقيق تقدم دبلوماسي ؟

 بالطبع، مع مشاركة 130 وفدا ، نصفهم من مستوى وزاري، أبان الاجتماع عن قدرة المغرب في تعبئة المجتمع الدولي لصالح الشعب السوري كما كان محطة فاصلة في طريق توحيد صفوف المعارضة السياسية السورية، وحشد الاعتراف بها من خلال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كممثل شرعي للشعب السوري.

الرسالة الملكية استرعت كذلك اهتمام المتتبعين وانتباه المؤتمرين بمراكش حيث عكست بجلاء موقف بلادنا القائم على أولوية البعد الإنساني، مواصلة البحث عن الحل السياسي، وضع مسلسل شامل للتحول الديمقراطي، والحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال سوريا.

اليوم، يسعى المغرب بمجلس الأمن لتحقيق وتسهيل التوافق  كما يدعم جهود المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية السيد الأخضر الابراهيمي. تقوم المملكة أيضا بدور مهم على صعيد الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وكذلك في إطار مجموعة أصدقاء الشعب السوري. كل المغاربة تأثروا بهذه المأساة وجلالة الملك يحرص شخصيا ليثبت أن المغرب يتضامن ويتفاعل، كما كان الشأن سنة 1973، مع الشعب السوري ، حيث كان جلالته أول رئيس دولة في العالم يحل بمخيم الزعتري بتاريخ 18/10/2012.

 لنبقى في المنطقة، نعلم أن العلاقات مع دول الخليج جيدة غير أنها خلال سنة 2012 شهدت تطورا هاما، إلي أي حد يمكن القول بذلك؟

إنها علاقات نموذجية تندرج في إطار الوشائج الأخوية بين شعوبنا وعلاقات الصداقة الشخصية التي يربطها جلالة الملك مع ملوك وقادة دول الخليج. تذكرون أنه في 2011، دعا مجلس التعاون الخليجي بلادنا للانضمام إليه، في إشارة قوية لتميز العلاقات بين الطرفين في جميع أبعادها. كانت هذه المبادرة محل تقدير من قبل صاحب الجلالة الذي أطلق مسلسلا للتشاور المعمق لوضع إطار شراكة مناسبة مع دول مجلس التعاون الخليجي. تهدف فلسفة هذه الخطوات البراغماتية إلى إقامة تحالف حقيقي بمعناه الاستراتيجي، وليس فقط لاستكمال العلاقات الثنائية التقليدية.

عمليا، سمح لنا أول اجتماع وزاري بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي و الذي انعقد في سبتمبر الماضي بوضع برنامج عمل 2012-2017 يتمحور حول سبعة مواضيع أذكر منها الحوار السياسي، التعاون الاقتصادي، التعاون القضائي والثقافي.

ويبقى أهم ما ميز سنة 2012 هي الجولة الرسمية التي قام بها جلالة الملك للمملكة العربية السعودية، وقطر والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، وكذلك الأردن حيث فتحت هذه الجولة آفاقا استثنائية على مستوى التعاون مع هذه المنطقة من العالم العربي، بوضع آليات لدعم مشاريع تنموية بالمغرب بغلاف مالي يبلغ 5 مليار دولار على مدى خمس سنوات (2012-2016) تموله المملكة العربية السعودية، قطر الكويت، الإمارات العربية المتحدة.

بالإضافة إلى الدعم المالي، نحن بصدد شراكة اقتصادية قائمة على المدى الطويل وفقا لمنطق رابح/رابح فالمغرب يحظى ولله الحمد بالاستقرار السياسي ويوفر مناخا مناسبا للأعمال و ضمانات حقيقية للاستثمار.  هذا الإطار الجديد للتعاون العربي يستحق فعلا أن تحتذي  به دول أخرى، بنفس الطريقة التي بنى بها المغرب علاقاته مع الاتحاد الأوربي التي تعتبر بدورها نموذجا لتنمية العلاقات الاورو-متوسطية.

 ألم يكن التقارب مع دول الخليج على حساب العلاقات مع أوربا، ثم أليس هناك نوع من التباطؤ في العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوربي؟

 تباطؤ بالمقارنة مع ماذا؟

 في عام 2011، كان الاتحاد الأوروبي على رأس أجندة المغرب الدولية. أليس هذا صحيحا؟

 الأمر لا يزال كذلك، أعود إلى المفهوم الأساسي لاستمرارية الدولة، الذي هو مسألة مركزية سواء بالنسبة لسلوك العمل الدبلوماسي، وكذا عند تحليله. عندما نتحدث عن الشراكة بين المغرب و مع الاتحاد الاوربي نتجاوز ما هو مناسباتي بحكم التواجد المسبق للآليات الضرورية : اتفاق الشراكة الذي يشكل الإطار العام للعلاقات بين الاتحاد الاوربي والمغرب دخل حيز التنفيذ منذ سنة 2000  والبرنامج التوجيهي الوطني الذي يهيكل التعاون المالي بين الجانبين يغطي الفترة 2011-2013، كما أن الوضع المتقدم الذي يعكس الرؤية الملكية للعلاقات الشاملة مع الاتحاد الأوروبي أصبح ساري المفعول منذ سنة 2008 دون أن أغفل الاتفاقية الفلاحية، التي تفتح الباب للمغرب لولوج السوق الاوروبية، واتفاقية الصيد البحري التي تغطي مرحلة 2011-2015 التي نتفاوض حاليا بشأن برتوكولها التطبيقي.

كل هذا يعني أنه ليس هناك أدنى تباطؤ أو تراجع أو حذف الاتحاد الأوربي من أجندة الدبلوماسية المغربية فهذا الأمر مستحيل بحكم توفر الإرادة السياسية  -من كلا الجانبين- وبحكم الدينامية التي تخلقها الآليات المتواجدة علما أن فلسفة هذه العلاقة تحيلنا إلى الإرادة الملكية في إضفاء بعد استراتيجي عليها.

وتبقى الملاحظة التي يحملها تساؤلك مردود عليها لكونها مرتبطة في نظري فقط بكون الاتحاد الاوربي يولي اهتماما جليا للوضع في تونس وليبيا ومصر ومالي ولمحاولة البعض ، على ضوء التطورات السياسية التي شهدها المغرب،  إبداء نوع من الرغبة في إعادة التركيز على المحلية، وتوهم البعض الآخر أن الغرب يمثل عائقا إضافيا.

لكن و بفضل إرادة جلالة الملك، واصل المغرب ليس فقط تعميق علاقاته مع الاتحاد الاوربي بل تنويع شركائه حيث قمنا، على سبيل المثال، بتحقيق قفزة نوعية في علاقاتنا مع كل من الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا.

 لنوضح الأمر أكثر بخصوص العلاقة مع الاتحاد الأوربي؟

 أنا واثق من تطور علاقاتنا مع الاتحاد الأوربي. إننا نتقدم بناءا على منجزات ومكتسبات السنة الماضية، أذكر منها خلاصات مجلس الشراكة الذي ترأست أشغاله بمعية وزير خارجية الدنمارك  في أبريل 2012، مشاورات يناير 2012 مع صديقي سطفان فيل، المشاورات التي أجريتها مع ماريا دامنكي، المفوضية الاوروبية المكلفة بالصيد البحري، والزيارة التي قامت بها السيدة كاترين أشتون للرباط في نونبر الماضي، حيث كانت الأولى من نوعها منذ تعيينها سنة 2009.

نقطة أخيرة ذات اهمية بالغة في العلاقات مع الاتحاد الاوروبي: الحوار البرلماني الاوروبي- المغربي الذي تأسس بفضل الوضع المتقدم والذي بات يشكل جزءا مكملا في هندسة علاقاتنا مع الاتحاد الأوروبي. إنه الدليل الذي يؤكد أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إرادة جيوسياسية للمغرب تتجاوز الاختلاف السياسي الداخلي، وتجسد الإجماع حول الثوابت الوطنية. أغتنم هذه الفرصة لأوجه التحية للأعضاء اللجنة البرلمانية المشتركة في شخص رئيسيها السيد عبد الرحيم عتمون، والسيدة ياسمينة بادو، منوها بالعمل الجبار الذي قامت به السيدتين مباركة بوعيدة، ولطيفة جبابدي وكذا عميدة اللجنة صديقتي فتيحة العيادي وكل من تحمل هذه المسؤولية. أريد أيضا أن أشيد بشكل خاص بالسيدة زهراء الشكاف التي أبانت عن وطنيتها المثالية داخل اللجنة البرلمانية المشتركة، والتي تقاوم حاليا وبكل شجاعة المرض. تمنياتي الكاملة لها بالشفاء العاجل إن شاء الله.

إطلاق الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة يشكل بكل المقاييس إحدى مكتسبات الدبلوماسية المغربية برسم سنة 2012، هل يمكنكم توضيح هذا الإطار الجديد من التعاون ؟

 يهدف هذا الحوار الاستراتيجي إلى توطيد وتعميق العلاقات الممتازة أصلا مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفقا للإرادة المشتركة للبدين عبر إقامة مستوى عال من الحوار والتعاون، أخذا بعين الاعتبار وبشكل دقيق أولويات كل طرف. قراءة أولية للبيان المشترك الذي تمخض عن هذه الدورة الأولى للحوار الاستراتيجي تجعلك أمام خارطة طريق طموحة تتمحور حول أربعة مجالات: السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية.

لا ننسى كذلك أن الولايات المتحدة جددت إشادتها بالإصلاحات الهامة والمبادرات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس، متعهدة بالعمل مع المغرب لتحقيق الأهداف الواعدة للدستور الجديد، وبخاصة في مجال التنمية الاجتماعية والبشرية. على المستوى الاقليمي، نلمس تطابق وجهات نظرنا خاصة في موضوع التكامل المغاربي كما أن إشكالية الأمن، خاصة في فضاء الساحل والصحراء، تشكل أولوية مشتركة أما على المستوى الدولي فسنعمق مشاوراتنا الثنائية داخل المنظمات الدولية خاصة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

التعاون أيضا هو في صلب الحوار الاستراتيجي إذ يهدف إلى استكشاف فرص جديدة، وتحسين تنفيذ برامج ملموسة ومبتكرة في مجالات ذات قيمة مضافة و قد شكل الاجتماع الثنائي بشأن تطوير الأعمال الذي احتضنته واشنطن بتاريخ 04 دجنبر الأخير، مناسبة لرجال الأعمال في البلدين للتوصل إلى نتائج ملموسة همت أربعة مجالات: الطيران، والسيارات والفلاحة والطاقة.

ما تقييمكم للعلاقات مع اسبانيا؟

 علاقات جد ممتازة، تحكمها إرادة قوية للمضي قدما نحو تنفيذ شراكة استراتيجية مبتكرة. لا يسعني إلا أن أعتز بهذا التطور النوعي الذي سجل بين الرباط و مدريد سنة 2012. السيد ماريانو رخوي خص المغرب بأول زيارة رسمية له خارج اسبانيا في يناير 2012.زيارة رئيس الحكومة السيد عبد الإله بن كيران لمدريد في مارس 2012 كانت أيضا لحظة قوية بالنسبة للأجندة الثنائية. كذلك، الـــسيد سعد الدين العثماني وأنا قمنا بعدة زيارات عمل لإسبانيا. واحتفظ بعلاقات عمل و صداقة متواصلة مع مانويل خوسيه غارسيا ماركالو و غونزالو دي بينيتو.

خطاب العرش لـ30 يوليو الأخير أضفى  دينامية جديدة على العلاقات مع اسبانيا بعد أن أكد صاحب الجلالة بصورة رسمية التزام المغرب بالمساهمة في استكشاف ظروف اقتصادية ملائمة لخلق ثروات مشتركة، مع إعطاء مضمون ملموس للروابط العميقة للتضامن و التفاعل الذي يجمع البلدين.

في سياق هذه الالتفاتة الملكية، انعقدت الدورة العاشرة للاجتماع رفيع المستوى بتاريخ 03 اكتوبر الماضي التي توجت ب «إعلان الرباط» الذي يشكل بدوره خارطة طريق طموحة من شأنها المساهمة في الاستجابة المثلى  لإمكانات التعاون في شتى المجالات وتوليد فرص جديدة للاستغلال، بروح من المنفعة المشتركة.

نسعى جاهدين لتجاوز الأشكال التقليدية للتعاون نحو شراكة مبتكرة ومتجددة ومشاريع ملموسة. الهدف هو أن نستفيد أحسن من التكامل بين البلدين ومن فرص الأعمال، بالعمل من أجل تعميق أحسن للتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني، من أجل ذلك نشرك كافة الفاعلين المؤسساتيين وغير الحكوميين والبرلمانيين عبر المنتدى البرلماني المغربي-الإسباني الذي افتتح في الرباط بتاريخ 05 شتنبر 2012.

 ما الذي يجب أن نستنتج من الاجتماع رفيع المستوى المغربي الفرنسي الذي انعقد في 13 دجنبر الأخير بالرباط؟

 هو موعد يتصدر الأجندة الدبلوماسية ابتداء من 1997، الاجتماع رفيع المستوى مكننا من الاحتفاء بالصداقة المغربية-الفرنسية وكذا معالم جديدة للرقي بمستوى علاقاتنا الثنائية. فرنسا بالنسبة للمغرب شريك أساسي، معها نتقاسم شراكة وقربا، بل وأقول أيضا حميمية، هي إذا علاقة استثنائية بكل المقاييس يكمن محركها في المشاورات المنتظمة بين رئيسي الدولتين.

اللقاء الذي ترأسه السيد رئيس الحكومة والوزير الأول الفرنسي نظم تحت شعار الشباب وتميز على الخصوص بإعطاء دفعة قوية للتعاون الاقتصادي حيث تم توقيع عقود بقيمة 300 مليون اورو، وتم إيلاء عناية خاصة لتطوير الإنتاج الصناعي المشترك. عدة محاور للتعاون في مجالات أساسية في مجال التنمية والتعليم، كما تم إسناد قرض من الوكالة الفرنسية للتنمية AFD، بقيمة 280 مليون اورو لدعم تنفيذ هذه المشاريع التنموية. وأخيرا توقيع اتفاق لدعم تنقل الأشخاص بين البلدين لتبسيط إجراءات التأشيرة.

كلها مؤشرات تدل على نجاح الشراكة المغربية-الفرنسية تهيئ الأرضية لزيارة الرئيس الفرنسي فرانسو اولاند المرتقبة لبلادنا بناء على دعوة كريمة من صاحب الجلالة.

 بشأن موضوع آخر، ما هو تقييمكم لحصيلة رئاسة المغرب لمجلس الأمن؟

 هي حصيلة مشرفة، حتى نضع الأمور في سياقها، لا يجب أن نختزل مهمة المغرب بمجلس الأمن في رئاسته الدورية لأن الحدث الأكبر والأهم هو ولوج المغرب لمجلس الأمن برسم سنة 2012-2013 بعد حصوله في الانتخابات على 151 صوتا للدول الأعضاء بالأمم المتحدة، أي ¾ أصوات المجتمع الدولي. إنه ببساطة حدث تاريخي وشهادة على إشعاع بلادنا، إنه اعتراف بالمصداقية الدولية التي كان المغرب يعمل على بنائها منذ سنوات تحت قيادة صاحب الجلالة، إنها ثمرة حملة دبلوماسية مسترسلة أتشرف بالمساهمة فيها والتي عبأت دبلوماسيين مغاربة في العالم بأسره، بإشراف مباشر من الوزير السابق السيد الطيب الفاسي فهري الذي أشيد به بقوة.

بالطبع إن رئاسة مجلس الأمن لحظة قوية اخترنا أن نضعها تحت عنوان افريقيا والشرق الأوسط وحفظ السلام لإبراز أهمية هذه المحاور والاشتغال بها في عملنا الدبلوماسي وكذا تمكين المغرب من التعبير عن التزامه بخدمة الأمن والسلم الدوليين. عناية خاصة تم تخصيصها للوضع في الشرق الأوسط. كما أن الأحداث جعلت جوارنا الساحل والصحراء في صلب انشغالاتنا.

البيان الرئاسي الأول تم اعتماده بمبادرة من المغرب وتحت رئاسته للمجلس، نفس الشيء بالنسبة للقرار 2085 حول مالي ، الذي يجيز نشر قوات دولية لفترة اولية لسنة، تحت قيادة افريقية وفقا لإرادة مالي و المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا. هذا القرار ألأممي يؤكد جدوى وأهمية الاختيار السياسي للمغرب فيما يخص استقرار مالي وتدبير الوضع بمنطقة الساحل والصحراء، بصفة عامة. من باب المصادفة تزامنت رئاسة المغرب مع فترة نهاية السنة، الأمر الذي فرض علينا القيام بالكثير في وقت وجيز. إنه عمل جبار تم إنجازه من قبل مجموعات عمل فريقنا بالأمم المتحدة بتوجيه من السيد محمد لوليشكي، وهذه مناسبة لأتوجه إليه بالتحية والتعبير عن اعتزازي بعمل الدبلوماسيات و الدبلوماسيين الذين يؤطرهم.

 هل سيغير القرار المعتمد تحت رئاسة المغرب لمجلس الأمن معطيات الواقع؟

 على اية حال، هذا هو الهدف من اتخاذ القرار. لكن الوضع في مالي بالغ التعقيد، ويعرف تطورات متسارعة. لقد تفجرت الأزمة في مارس 2012، عندما أطيح بالرئيس «أمادو توماني توري» في انقلاب عسكري. الأزمة السياسية والمؤسساتية التي توالت تسببت في تمزيق الدولة المالية. حركات انفصالية أبت إلا أن تستغل الوضع لتنفرد بشمال البلاد بكل سرعة. ابتداء من أبريل أعلن عن استقلال الأزواد، الاستقلال الذي رفضه المغرب مباشرة. العديد من المجموعات المسلحة اكتسحت المنطقة وساهمت قواعدها الخلفية في تعقيد الصراع الميداني. هناك حركة تحرير الازواد   MNLA، وأنصار الدين ، تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي ” AQMI ” ، وحركة التوحيد و الجهاد MUJAO. احتجاز الرهائن الغربيين، والمتاجرة في المخدرات خاصة القوية مرتبط بتحقيق مكاسب سياسية ومالية، مكنت الأيديولوجية الجهادية من خلق أجواء مقلقة للغاية بالمنطقة، وهو الشيء الذي تجلى على سبيل المثال عند اختطاف المتعاونين الأوروبين بمخيم الرابوني حيث تحدث العديد من الملاحظين عن تواطئ عناصرالبوليساريو.

ليس لدينا حدود مع مالي، لكنه بلد صديق تجمعنا معه علاقات تاريخية هامة، وأخرى سياسية وإنسانية. إذا نحن معنيون بصفة رئيسية ومنشغلون بهذه الوضعية التي تطرح تحديات جادة لأمن المنطقة المغاربية وكذا اوروبا. نرقب التطورات المتعلقة بمنطقة الساحل والصحراء منذ سنوات، لم نكف عن إثارة انتباه المجتمع الدولي عبر القنوات المناسبة،  لكن ما يجري اليوم هو بشكل أو بآخر ما نبهنا إليه. تعقد الوضعية الراهنة تتجاوز بكثير التحليلات الأكثر تشاؤما. لم يتصور أحد أن مالي ستكون في نفس الوقت فريسة لأزمات ثلاثية الأبعاد اقتصادية وإنسانية وسياسية وأمنية.

إنه واقع صعب للغاية. المجتمع الدولي أخذ وقتا للتحرك، لكن الوقت لا يخدم الآن استقرار المنطقة، يجب اتخاذ قرار لتحرك دولي حاسم، الخيارات تنفد وتتأرجح بين المفاوضات والتدخل العسكري، عبر المرور بترميم الوضع الإنساني كعلاج للأزمة الأمنية. اعتقد أن هذه الخيارات غير متكاملة فيما بينها. الرهان يقوم على جعلها تتناسق، لان الهدف واحد يكمن في إعادة بناء سيادة ووحدة مالي، ومكافحة الإرهاب ووضع حد للتردي الأمني. على المستوى العملي، أعطى مجلس الأمن الضوء الأخضر لعملية دولية تحت قيادة افريقيا والاتحاد الأوربي أجاز مؤخرا انتشار فرقة يعهد إليها بالتكوين والمساعدة الدبلوماسية.

المغرب منخرط بشكل جدي سواء على مستوى مجلس الأمن، أو على مستوى المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا من خلال دفاعه عن مواقف ثابتة. فتسوية الأزمة المالية يجب أن يشمل كل الأبعاد، الدبلوماسية بالتأكيد، ولكن أيضا العسكرية والسياسية والاقتصادية والإثنية. إنه الموقف الذي دافعت عنه في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا في نوفمبر الأخير بأبوجا.

 هل أنتم مرتاحون لحصيلة الدبلوماسية المغربية؟

كنت دائما من المدافعين عن ضرورة تبني مقاربة واضحة وموضوعية عند التعاطي مع الدبلوماسية المغربية من خلال إبراز ليس فقط عناصرها الايجابية بل أيضا الصعوبات التي تعترضها والتحديات التي تواجهها. كما لا يخالجني أدنى شك أن كل انجاز تحققه دبلوماسيتنا يقف وراءه رجال و نساء وهبوا أنفسهم لخدمة المملكة بكل إخلاص وتفاني، وبالتالي فمن واجبي ليس فقط الاعتراف بهذا المجهود بل تقديم الشكر لهم باسم وزارة الشؤون الخارجية و التعاون.

حقيقة الدبلوماسيون المغاربة المنحدرين من مختلف شرائح المجتمع والمتوفرين على تكوين من مستوى رفيع وعلى خبرة و دراية واسعة يشرفون وطنهم. إنهم يقومون بعمل هام خدمة للمصالح العليا للبلاد في ظروف غالبا ما تكون صعبة  بحكم تواجدهم في مناطق تتسم بقساوة المناخ أو بتدهور الأوضاع الأمنية معرضين أنفسهم وعائلاتهم للمخاطر. بصمة دبلوماسيينا دائمة الحضور فهم يفاوضون و يحللون بل يتوقعون. هم أيضا مجندين لجلب الاستثمارات ولخدمة إخوانهم القاطنين بالمهجر.

قوة و غنى هذه الوزارة مرتبطة بالكفاءة وبقدرتها على الاستغلال الأفضل لتجربة أطرها لتحقيق المزيد من المكتسبات و لتمكين الجيل الجديد من الدبلوماسيين من الاستفادة من هذه التجربة الغنية. وعلى ذكر الجيل الجديد تم إنشاء الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية وهو انجاز مهم أعتز به. الخلف متوفر و يتعين وضع الثقة في الدبلوماسيين الشباب خاصة وأنهم أبانوا عن كفاءة و مقدرة. إنها قناعتي الراسخة.

أوسي موح لحسن

média

 

attachment-1 photo-2b conference-youssef-amrani b-20 img_0051 milan-oct-2015 2016-02-12 - Youssef Amrani, Minister in Charge of Mission at the Royal Cabinet of Morocco gesticulates on the conference "The Challenges for Security Services in of Imported Terrorism in Europe" from the Middle East Peace Forum on the Munich Security Conference in Munich, Germany. Photo: MSC/dedimag/Sebastian Widmann upm 23023365664_05464c6a50_o